تحديات الاقتصاد العراقي تجاه تحرير سعر الفائدة
ياسر خالد بركات
كان من أهم التحديات التي واجهت قطاعات الاقتصاد العراقي طول السنين الماضية وأثرت به هو القطاع المصرفي الذي يشكل العمود الساند لأي اقتصاد علمي. فقد اتسم هيكل أسعار الفائدة المحلية في الاقتصاد العراقي لسنوات عديدة بالجمود السائد وعدم الأخذ بنظر الاعتبار الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، مما جعل دور الجهاز المصرفي عقيما في جذب المدخرات المحلية ومن ثم توجيهها نحو مجالات الاستثمار.
وهنا فقد تعددت الآراء والأفكار حول ضرورة تحرير سعر الفائدة على وفق مقتضيات ومتطلبات ملائمة لتوجه الاقتصاد بما يجعل دور البنك المركزي رئيسا في هذا الميدان.
إن القطاع المصرفي العراقي كان قد واجه خللا كبيرا في آليات عمله تمثل في انخفاض سعر صرف العملة المحلية بسبب التضخم المفرط بالإضافة إلى انخفاض احتياطات الدولة من العملة الصعبة نتيجة عمليات التهريب والسرقات المستمرة التي كان النظام السابق يقوم بها. إذ أصبح دور البنك المركزي عاجز عن تلبية أية احتياجات ضرورية لسد العجز الهائل في ميزانية الدولة.
إلا أنه وبعد سقوط النظام السابق في التاسع من نيسان 2003، اخذ البنك المركزي وكجزء من نظام الطوارئ لمعالجة الاختلالات النقدية، إجراءات عديدة، كانت الأولوية فيها لمعالجة الانهيار المستمر في سعر صرف العملة المحلية، ومن ثم تفعيل دور البنك المركزي في الاقتصاد.
وعند تحليلنا واقع عمل البنك المركزي في العراق نجد انه في معظم البلدان النامية يكون البنك المركزي تابعا لمتطلبات السياسة المالية ومرتبطا بوزارة المالية ومن ثم لا يتمتع البنك المركزي في هذه الحالة بأية درجة من الاستقلالية. الأمر الذي يعطي الحكومة إمكانية التوسع في الإصدار النقدي وبدون ضوابط. وتتجه الأنظمة الغربية عموما إلى فصل البنك المركزي عن سلطات وزارة المالية ومنحه درجة عالية من الاستقلالية، وبما يسمح بتفعيل دور السياسة النقدية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ولوضع ضوابط على السياسة المالية لا تسمح بتخطيها.
وهنا فقد أعطي البنك المركزي العراقي نوعا من الاستقلالية المالية في ضبط ومعالجة الاختلالات النقدية للحفاظ على الاستقرار النقدي وهذا أمر مطلوب لا سيما وإن البنك المركزي العراقي في الوقت الحاضر أصبح يعمل بشفافية عالية أي أنه يعلن عن بياناته وأرقامه للباحثين والجهات الدولية وبما يجعل مسؤوليته في هذه المهمة عالية جدا.
وعند التطرق إلى آليات ومقتضيات عمل البنك المركزي نجد أنه من المفروض أن تكون هناك سياسة نقدية ناجحة هي مسؤولية البنك المركزي في تقييم عرض النقد وتكوين احتياطي نقدي من العملات الأجنبية والذهب بالإضافة إلى تنسيق كامل مع السياسة المالية بجانبيها الانفاقي والايرادي، كذلك ضرورة معالجة حالة البطالة من خلال سياسة أجرية مناسبة، وقبل كل هذا توفير الأمان لضمان الاستقرار في البلد ومنع عمليات خروج العملة الوطنية إلى الخارج وزيادة المعروض منها. إذ ينبغي أن تعمل هذه السياسات بشكل متناسق بالإضافة إلى توفير قاعدة إنتاجية متينة وتقليل الاستيراد من الخارج بالاعتماد على الإنتاج المحلي حيث سينعكس ذلك على ميزان المدفوعات وتقليل الخلل فيه والذي يعد المرآة التي تعكس سعر صرف الدينار العراقي.
ومن جهة أخرى، إن الأسعار الفائدة المحلية أخذت بالاهتمام بعدما نجح البنك المركزي العراقي نسبيا في وقف الانهيار في سعر صرف العملة المحلية، مما دفعه إلى إقرار توجيه بتحرير أسعار الفائدة المحلية إلا إنه أي (البنك المركزي العراقي) تناسى المستلزمات الأساسية لإنجاح هذا القرار التي من بينها السيطرة على معدلات التضخيم وتكوين احتياطي نقدي من العملات الأجنبية ذلك أنه في معظم البلدان التي أخذت بنهج تحرير أسعار الفائدة قد استخدمت الأسلوب التدريجي والمدروس والمدعم بأرضية اقتصادية مناسبة، حيث يتطلب الأمر تحديث أساليب عمل الجهاز المصرفي وتطوير آلياته، والعمل على بناء مناخ ملائم للاستثمار، والاستقرار السياسي، وتهيئة البنى التحتية الأساسية، ومعظم هذه الشروط تكاد تكون مفقودة على الأقل في الوقت الحاضر للأسباب أعلاه، ولغياب الأرضية الواسعة والمهيئة لبناء قاعدة إنتاجية واسعة.
وهنا ينبغي التأكيد على أهمية العمل على تحرير أسعار الفائدة المحلية تدريجيا ابتداء من تحرير أسعار الفائدة بين البنك المركزي والمصارف التجارية ومن ثم بين المصارف التجارية فيما بينها، وبين المصارف التجارية والمقترضين والمقرضين.
وأخيرا فإن القطاع المصرفي العراقي يكاد يكون في مفترق الطرق، لا سيما وان العراق يمر بمرحلة حساسة من تطورات على صعيد الساحة السياسية، وإن إمكانية الارتقاء بعمل القطاع المصرفي تكاد تكون صعبة لوجود بعض العقبات التي لا زالت تكتف عمل هذا القطاع، إذ لا يمكن لهذا القطاع الحيوي مواجهة جميع المشاكل دون التخلص من كافة القيود المفروضة على مختلف ألوان التداول السلعي والنقدي المشروع لان هذا من شأنه أن يحقق الأمن والاطمئنان لدى جميع المتعاملين في السوق سواء كانوا أفراداً أو وضاربين أو رجال أعمال.