كانت الحرية ولازالت مطلباً فردياً وشعبياً وأممياً، ولا عجب أن بعض الدول أسست تاريخها على قاعدة حصولها على الحرية والاستقلال شعوراً وإحساساً ووعياً لماهية الحرية وضرورتها في استمرار وجودها، وميز التاريخ بوضوح تعدد الحريات وأنواعها وأشكالها ووظائفها وأهدافها إلا أن الفكر الإنساني وخاصة في الغرب تقدمت فيه فكرة الحرية استجابة لتطوره الاقتصادي فكانت الثورات والانتفاضات تعبيراً عن مستوى تطور الوعي الوظيفي للحرية، أما الإسلام فقد أعطى الحرية للإنسان بكل أبعادها وشموليتها، فلم يترك صغيرة وكبيرة بما يحقق للإنسان شرط توسيع خياراته واحترام أهدافه وطموحاته إلا وعالجها وفق الإطار الصحيح (من عدم الإضرار بالآخرين وعدم الإضرار البالغ بالنفس) حتى أن الأكل والشرب المضرين ضرراً بالغاً لا يجوزان لأنهما يلحقان ضررا بالنفس، والسباب بالقول، والضرب ونحوها غير جائز لأنها تلحق ضررا بالآخرين، والاستفادة من مواهب الحياة أكثر من القدر الصحيح لا يجوز، لأنه إضرار بالأجيال القادمة، وقد حدد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل فكر وقول وعمل بعدم الضرر وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وأبرز سماحة الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي بعض نصوص الحرية مؤكداً أن الحرية تضمنت بتواتر بل وفق التواتر، قال سبحانه (فذكر أنما أنت مذكر، لست عليهم مسيطر) وقال تعالى (وما أنت عليهم بجبار)، وفي حديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً) وفي الشعر المعروف لسيد الشهداء الأعظم في كربلاء:
آليت لا أقتل إلا حراً وأن رأيت الموت شيئاً نكراً
وقال الإمام الحسين عليه السلام للحر بن يزيد الرياحي: (ما أخطأت أمك إذ سمتك حراً، فأنت حر في الدنيا وسعيد في الآخرة)، وفي استدلال عظيم أشار سماحته إلى قول الإمام الحسين عليه السلام لمن جاء لمحاربته إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون الميعاد فكونوا أحراراً في دنياكم، فشمولية الحرية عامة لجميع الناس حتى الكفار وفي مختلف أنواع الحقول مضيفاً سماحته منها الحرية الفكرية – أي حرية البحث والمناقشة في البحوث العلمية والبحوث الدينية ومنها الحرية الاقتصادية – أي حرية الاكتساب بجميع أنحائها ومنها الحرية الدينية أي التسامح نحو الأديان الأخرى والحرية السياسية التي تتناول العلاقة بين الحاكم والمحكوم وأن الحاكم يجب أن يكون باختيار الأمة وممن تتوفر فيه رضا الله سبحانه وتعالى وسائر الشروط الإسلامية، وهي كلها شروط يؤكد عليها العقل كأن يكون عالماً بالغاً عادلاً، وأوضح سماحته أن كلمة التوحيد داعي إلى تأمل كلمة لا إله إلا الله رمز الحرية وجوهرها فكانت ثورة على كل القيود التي مرت بها الإنسانية قبل الإسلام، فقد كانت الإنسانية قبل بزوغ الإسلام كما هو الإنسان المعاصر ترزح في كثير من البلاد تحت ألف قيد وقيد وشرط وشرط وعبودية وعبودية، لكن عندما أعلن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) شعاره لا إله إلا الله فجر الثورة على كل هذه القيود وأعلن أنه لا سيد إلا سيد واحد وهو الله سبحانه وتعالى ويجب أن لا يطاع إلا هو وحده، وللمرء أن يقيم صلة مباشرة بينه وبين الله، ومن يراجع ما أورد سماحته من 100 نموذج للحريات الإسلامية، ص 295 من كتاب الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام، مبيناً كم أن موضوع الحرية في الإسلام الصحيح يعتبر بحق أساساً لتحقيق مجتمع عادل الإنسان فيه أثمن رأسمال.