بسام محمد حسين
بانتظار السجل الأبيض الذي سيغطي كوكبنا المتعب بالحروب والفقر والمرض يأتي الكتاب الأسود لحقوق الإنسان، المشغول من قبل منظمة العفو الدولية ومرصد حقوق الإنسان والمنظمة الدولية ضد التعذيب وصحافيون بلا حدود، إلى حين حتى يصبح أن أي كلمة أو همسة أو قرع جرس باب في وقت غير مناسب، انتهاك لحق الإنسان، يدعو للخجل من حدوثه، لقد عرفت البشرية كيف تفسر الانتهاكات المتعددة وتطالب بوقفها، وتطوع الكثير للعمل من خلال أجندة المتعارف عليها، لوقف التدهور المستمر لحقوق الإنسان وخاصة حقه في العيش والحياة الكريمة، إلا أنه يبدو أن لغة الأرباح واستثمار الفقر واستغلال حاجات الشعوب والأفراد والمجتمعات، بات في حاجة مستمرة إلى إعطاءها لبوس الحقوق والشرعية، فهذا ما عرف بالمصالح الدولية التي تدعو في أغلب سياساتها إلى تلطيف هذا الاستغلال وإعطاء بعض الحقوق، وهي في وعي كامل أن عوامل عدم الاستقرار، وتراجع الأرباح لاستثماراتها، وتهديد مصالحها المباشرة والمستقبلية، مرهون بتحقيق بعض أجندة حقوق الإنسان، ففي قراءة لوثائق كتاب الصين الأسود التي تتوزع على أربعة بنود: عقوبة الإعدام، ومعسكرات الاعتقال لإعادة تربية عن طريق العمل، والتعذيب وسوء المعاملة للسجناء العاديين والسياسيين، والتطاولات على حرية الصحافة والإعلام والانترنيت، في التيبيت البوذية وكسينيانغ المسلمة... ومن أخطر البنود هو الذي يتعلق بعقوبة الموت، فالصين تحتل مكانها بلا جدال في رأس قائمة البلدان التي لا تزال تطبق هذه العقوبة فموجب الوثائق الرسمية، تعدم بصورة شرعية رمياً بالرصاص أو حقناً بمخدر الدماغ، ما لا يقل عن ألف محكوم في السنة أي بمعدل ثلاثة معدومين في اليوم الواحد، علماً أن وثائق منظمات حقوق الإنسان تتحدث عن ثلاثة أضعاف هذا الرقم، إذ أمكن لهذه المنظمات أن تحصي بين 1991م – 2003 نحو من ثلاثين ألف معدوم صيني؟!!
وأكثر ما يثير خوف المدافعين عن حقوق الإنسان الانخفاض الكيفي لعتبتها القانونية، فخلافاً للمأثور المتعارف عليه في أغلب الشرائع السماوية والذي ينص على أن عقوبة الحرمان من الحياة لا تزال إلا بحق من حرم غيره من الحياة، وفي إشارة إلى واقع التمييز الحاصل في تطبيق عقوبة الإعدام بين الرجال والنساء، فعدد النساء المعدومات من النساء اللواتي يقتلن أزواجهن بسبب ضربهم وسوء معاملتهم لهن أعلى بكثير من عدد المعدومين من الرجال الذين يقتلون زوجاتهم بتهمة الخيانة، وهذه واقعة لا تجد تفسيرها إلا في الموروث الأبوي التليد للصين رغم واجهتها الماركسية المعلنة، ومما يؤكد فاعلية هذا الموروث أنه لا وجود إطلاقاً في عداد المعدومين للآباء الذين يقتلون بناتهم وأداً فهذا التقليد الجاهلي عزز وجود سياسة الولد الواحد التي أرساها دينغ كسيابنغ منذ عام 1979 من أجل ضبط النمو السكاني للصين، فحرصاً من الفلاحين الصينيين على الإبقاء على حظهم في إنجاب ولد ذكر؟! فأنه لا يندر أن يقتلوا مواليدهم من الإناث وأداً.
وعلى هذا النحو أمكن لمنظمة حقوق الإنسان في الصين أن ترفع إلى مؤتمر النساء العالمي في عام 1995 تقريراً يفيد أن عدد المختفيات أي عملياً المؤودات من المواليد الإناث يصل سنوياً إلى خمسمائة ألف أما من تثبت عليه من الآباء تهمة إخفاء مواليدهم الإناث فإن عقوبته لا تتجاوز أحياناً الحبس لمدة سنة أو سنتين، أما البند الثاني من بنود انتهاك حقوق الإنسان في الصين المعروف باسم (غولاغ) الذي كان الغرض منه استخدام السجناء السياسيين وسجناء الحق العام كيد عاملة مجانية في خدمة الاقتصاد الاشتراكي، ويقدر عدد نزلاء هذه المعسكرات منذ إنشائها حتى اليوم بنحو من خمسين مليون سجين، وطبقاً للإحصاءات الرسمية القليلة المتاحة فإن عدد النزلاء السنوي في هذه المعسكرات يتراوح بين مئتي ألف وثلاثمئة ألف، وفيما يتعلق بالبند الثالث المتصل بالتعذيب وسوء معاملة السجناء فإن منظمات حقوق الإنسان الدولية والوطنية معاً لا تتوافر على ما يبدو على معلومات وثيقة، وذلك بسبب تكتم السلطات الرسمية تكتماً شديداً حول هذا المظهر من انتهاك حقوق الإنسان.